كتاب “أنثوية العلم: العلم من منظور الفلسفة النسوية” من تأليف د/ ليندا جين شيفرد، الصادر في لندن عام 1993م والذي تأخرت ترجمته أحد عشر عاما لتترجمه د/ يمنى طريف الخولي في سلسلة عالم المعرفة الصادرة في الكويت في شهر أغسطس 2004م. يقع الكتاب في حوالي 390 صفحة من القطع المتوسط موزعة على 12 فصلا. لا يقصد الكتاب – كما تقول المترجمة في المقدمة – تناول العلم الأنثوي مقابل العلم الذكوري لتكون الحرب العلمية بين الجنسين معلنة بعد أن كانت مضمرة بل المقصود علم يتكامل فيه الجانبان مداواة لانفراد الذكورية بما حملته من نتائج سلبية.
في الفصل الأول بعنوان “حجي الجانب الأنثوي من العلم” تتناول المؤلفة تاريخ إقصاء الجانب الأنثوي في الغرب واهتمام الشرق (خاصة الأقصى) بها ممثلا في فلسفة تكامل مبدأ الين السلبي (كل ما و مؤنث) ومبدأ اليانج الإيجابي (كل ما هو مذكر) مما أنتج شعورا بالقهر والظلم لدى المرأة الغربية ودفعها للمطالبة بحفوفها فنتج عن ذلك الحركات النسوية: السياسية والاجتماعية والجديدية. تعرض المؤلفة كذلك لنموذج كارل يونج (1875 – 1961) والذي يتضح أنها معجبة به أيما اعجاب وهما الأيروس (مبدأ الترابطية الأنثوي) واللوجوس (مبدأ الاهتمام الموضوعي الذكري) واعتقاد يونج أن المهمة الأساسية لنا في الحياة تكامل مبدأي الذكورة والأنوثة.
في الفصل الثاني “صوت الأنثوية البازغ” تعرض المؤلفة بتوسع للعديد من المؤلفات التي رسمت ملامح الطريق للسائرين في هذا الاتجاه، بينما في الفصل الثالث “الشعور: بحث يدفعه الحب” تتجول بنا المؤلفة بين فلسفات واتجاهات استطاعت أن تدمج بين حب العلم والجمال مثل راشيل كارسون (1907 – 1964) الحائزة على جائزة الكتاب القومي عن كتابها ” البحر من حولنا” عام 1952م ومؤلفة كتاب “الربيع الصامت” عام 1962م والتي تقول “هدف العلم هو اكتشاف الحقيقة وجلوها، وأنا أسلم أن هذا هو هدف الأدب سواء أكان سيرة ذاتية أو تاريخ أو قصص أو روايات، لذا يبدو لي أنه لا يمكن فصل الأدب عن العلم.”
الفصل الرابع “التلقي: أن ننصت إلى الطبيعة” تتجول بنا المؤلفة بين بعض التبصرات ومشاهد لتدلل لى فكرتها ثم تنتقل إلى الفصل الخامس “الذاتية: أن نكتشف أنفسنا من خلال التجربة” لنقد بعض المفاهيم التي استولى عليها المفهوم الذكوري زمنا طويلا مثل الموضوعية، المعرفة البنائية، الذاتية.
في الفصل السادس “التعددية الناتجة من التفاعل” تورد المؤلفة مقولة فيلسوفها الأثير “كارل يونج” “تتطلب الحقيقة النهائية، إذا كانت توجد أصلا، كونشرتو من الأصوات العديدة”، وتقرر أن أن “أولئك الزاقعين تحت قيادة سلطوية يصبحون أكثر عدائيو ولامبالاة، في المقابل تجد الأطفال في المواقف الديموقراطية يعملون في أجواء التبادل اليسير والمعونة المتبادلة” داعية إلى سماع كافة الاتجاهات والأفكار ومحاورتها باحترام وتجرد وضربت أمثلة عدة لذلك.
في الفصل السابع “الرعاية: مقاربة طويلة المدى”، تورد المؤلفة مقولة أينشتاين “الخيال أهم من المعرفة” وتدعونا لللقيام بواجباتنا بمزيد من الحب والإنسانية وألا نتحول لمجرد آلات تؤدي ما يطلب منها في صمت وخضوغ.
الفصل الثامن “التعاون: أن تعمل في انسجام” يناقش قضية تبادل المنفعة بين الكائنات الحية للحصول على ما تحتاجه من مغذيات أو البشر للوصول إلى أفضل النتائج، بينما يناقش الفصل التاسع “الحدس: طريق آخر للمعرفة”وتعود المؤلفة لمقولة أينشتاين الآنفة الذكر.
الفصل العاشر” الترابطية: رؤية للكل” فهو ممتع للغاية وربما يكون أفضل فصل في هذا الكتاب حيث يتناول العلوم البينية التي تتطلب أكثر من عالم متخصص، وتضرب المؤلفة مثلا لذلك بعلم البيئة وتورد هنا مقولة رائد الفضاء السوفييتي “يوري أوتوخين” “لا يهم في أي بحر أو أي بحيرة رأيت بقعة التلوث، فأنت تقف حارسا الأرض بأسرها”.
وأود أن أشير هنا أنني بعد قرائتي لهذا الفصل أدركت سر حبي لمقرر السموم في آخر سنة لدراستي الأكاديمية في كلية الصيدلة. لقد كان علم السموم هو المقابل لعلم البيئة الذي تناولته المؤلفة، فبعد دراسة جامدة لمدة أربع سنوات لعلوم مثل علم النبات والحيوان والفيزياء الكيمياء بأنواعها، أدركت أن هذه العلوم كتالبنات بناء لصرح كبير استفاد من كل لبنة فيها.
الفصل الحادي عشر “المسؤولية الاجتماعية للعلم” يتناول أخلاقيات العلم والالدواف وراءه فتقرر المؤلفة أن “الكثيرين تواروا خلف راية العلم البحت، العلم من أجل العلم، العلم من أجل حب المعرفة، العلم من أجل المعرفة، العلم من أجل متعة الاكتشاف”.
الفصل الثاني عشر والأخير “كشف المحجوب: الأنثوية كل العالم”، تخلص المؤلفة إلى أن الأنثوية ستكون أساسا في هذا الكون ولا يمكن إهمالها أو إقصائها من المعادلة.
باختصار هذا الكتاب سيأخذ الكثير من وقتك لكنه سيفتح لك أبوابا جديدية لم تكن لتدرك وجودها من قبل.